تذكير عموم المسلمين ببطلان حل الدولتين

الحمد لله القائل في كتابه الكريم “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله…”الإسراء1، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل في الحديث الصحيح “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود” وعلى آله وصحبه أجمعين.

في ظل حرارة الصيف اللاهبة وانصراف الناس إلى قضاء العطل الصيفية والترفيه عن النفس بالحلال أو الحرام وفي غفلة من عموم الأمة –عامة وخاصة- إلا ما رحم ربي وفي ظل تلهية حكام الخذلان والاعتلال لشعوبهم وإغراقهم في كم هائل من الحفلات والمهرجانات في طول البلاد العربية وعرضها، على حد قول الشاعر : هنا وهنالك قام المأتم * شعب يُغنّي وحاكم يترنم في ظل كل ذلك انعقد مؤتمر فتح السادس –حيث لا نصر ولا فتح على أرض الواقع- وبإذن مرخص من الكيان الصهيوني وتزكية من دول الاستبداد العربي وعلى رأسهم مصر والسعودية والأردن والذين تولوا تزكية محمود عباس غريم ياسر عرفات والذي فُرض عليه قسرا من قبل الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، والذي يحظى بالدعم الدولي والعربي والإسرائيلي إنما هم ديناصورات فتح الذين بدلوا وغيروا ونكصوا على أعقابهم من أرباب المال والنفوذ والسلطة الذين يجدون الدعم في بعض العواصم العربية المتخاذلة وسر الدعم الذي يحظى به عباس وجماعته أنه يؤمن بحل الدولتين أو الحكم الذاتي المحدود ويعادي كل فصائل المقاومة الحقيقية وإن رفع في المؤتمر السادس شعارها من باب المكر والخديعة وتضليل الرأي العام واحتواء تيار المقاومة المسلحة داخل حركة فتح في الداخل والخارج إلى أن يتم المؤتمر وتعود حليمة إلى عادتها القديمة، وسوف تكشفه الأيام المقبلة بعون الله تعالى.

*ومن منا لا يتذكر خطاب الرئيس الأمريكي –أوباما- في جامعة القاهرة بتاريخ 04/06/2009 الذي أغرق جماهير المستمعين إليه بمعسول الكلام ولذيذ الأحلام ولكن قاصمة الظهر في خطابه عندما طلب من حركة حماس نبذ العنف ومتى كان جهاد ومقاومة الاستعمار عنفا في عرف أوباما السياسي؟!!! ألم تنل أمريكا استقلالها بعد 80 سنة من القتال ضد التاج البريطاني فيما يسمى بالثورة الأمريكية ألم تطرد الإسبان من كوبا بعد حرب دامت 3 سنوات من 1895 إلى 1898 فيما سمي الحرب الأمريكية الإسبانية. ألم تتوحد الولايات الشمالية والجنوبية بعد حرب أهلية طاحنة دامت 4 سنوات من 1861 إلى 1865 راح ضحيتها حوالي 600.000 قتيل فهل استخدام السلاح ضد المحتل يسمى عنفا يا أوباما؟!!! وأما فاقرة الفواقر حصره الحل للقضية الفلسطينية في الاعتراف بحل الدولتين، ولكن ما يثير الدهشة والاستغراب أن ينال هذا الخطاب الهائم ذلك الترحيب والتصفيق من أغلب المستمعين داخل القاعة وخارجها وفيهم أهل العمائم وشيوخ الأزهر، وكان الواجب الشرعي على هؤلاء العلماء قبل غيرهم إما الرّد المباشر أو الانسحاب من القاعة احتجاجا على الحل المطروح والذي يخالف الشرع أولا، والمواثيق الدولية التي تشرع مقاومة الاستعمار بكل الوسائل، أما الجلوس دون إنكار فيشمله قوله تعالى “إنكم إذا مثلهم”.

*لقد أصبح ساسة الغرب والعرب ينادون في كل مناسبة بحل الدولتين ويأتي على رأس تلك الدول مصر والأردن وحتى الجزائر التي ذاقت ويلات الاستعمار يصرح وزير خارجيتها مدلسي بتاريخ 24/06/2009 “إن الجزائر مع حل الدولتين كما نادى به أوباما؟!!! فمتى كان أوباما مرجعية الجزائر في مناصرة القضايا العادلة وماذا لو أن أوباما نادى بالحكم الذاتي للصحراء الغربية، فهل ستخضع الجزائر لذلك الطرح؟!!!.

أما النظام السعودي فقد أصبح من أنصار حل الدولتين رغم أن هذا الحل يخالف أحكام الشريعة وهي تزعم أن مرجعيتها الكتاب والسنة وسلف الأمة؟!!!، لقد أرسل ملك السعودية بمناسبة انعقاد مؤتمر فتح السادس في بيت لحم يزعم فيه أن الدولة الفسلطينية لن تقوم مع وجود الانقسام الداخلي وهذا تهرب من المسؤولية الشرعية والسياسية والقومية، فيما آلت إليه الأوضاع في فلسطين وكأن مصيبة فلسطين وضياعها وخذلانها راجع إلى الانقسام الداخلي بين دعاة المقاومة والجهاد ودعاة التخاذل والاستسلام والرسالة في مثل هذه الظروف هي رسالة خذلان وتهرب من المسؤولية التاريخية ورميها على الانقسام، وما زاد الطين بلة أن الأمين العام لجامعة الدول العربية صرح قائلا “إن رسالة العاهل السعودي لحركة فتح تحدث فيها باسم العرب جميعا” ونحن نقول هذا محض افتراء وكذب فمن نصب عاهل السعودية أميرا على الأمة العربية أو ناطقا رسميا باسمها؟!! وهل يمكن أن نصدق أن الاتقسام الداخلي أخطر من إسرائيل؟!! وكل ثورات العالم حدث فيها انشقاق بين دعاة المقاومة ودعاة الاستسلام بما في ذلك الثورة الجزائرية رائدة الثورات في العصر الحديث ولا بد لعموم الناس التفريق بين الانشقاق الشرعي والانشقاق المصلحي النفعي ولسنا الآن بصدد ضرب الأمثلة في بيان الانشقاق المشروع والانشقاق الممنوع، والحمد لله أن جورج ميتشل قد فضح هؤلاء الحكام العرب في استجواب له في جريدة نيويورك تايمز بتاريخ 04/08/2009، حيث ظهر أن لهم سياسة مزدوجة في الخفاء والعلن.

* في الوقت الذي تنادي فيه الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوروبي وحكام العرب بحل الدولتين يأتي الرد بعد 10 أيام من خطاب أوباما من جامعة دير إلام على لسان ناتنياهو لينسف خطاب أوباما من الأساس ولم يستطع أوباما أن يلجم المارد الإسرائيلي بل أصبح يتعرض للنقد في قلب بلاده آخرها تنديد إيباك الصهيونية بمنح أوباما جائزة الحرية لإحدى الناشطات والبقية تأتي وما أكثر التراجعات التي أصبح أوباما يسقط فيها صباح مساء.

*مما سبق بيانه يجب على العلماء الربانيين بيان الحكم الشرعي فيمن ينادي بحل الدولتين بما في ذلك السلطة الفلسطينية، فهل يعقل المسارعة لإصدار الفتاوى في أمور غير هامة أو تافهة، بالإفتاء في زواج المسيار… أو الرسوم المتحركة بوكيمون وإرضاع الكبير إلى آخر سلسلة الفتاوى العجيبة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا في حدود ضيقة، في مقابل السكوت المطبق المريب، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم، عن بيان الحكم الشرعي في مثل هذه القضية التي تهم أزيد من مليار مسلم؟!!!، وسوف نتناول هذا الموضوع الهام الخطير في جملة من النقاط قياما بواجب البيان والصدع بكلمة الحق تاركين البقية الهامة لعلماء المسلمين في أنحاء العالم لتكون الشعوب الإسلامية على بصيرة من أمرها لأن حكام المسلمين قد نفضوا أيديهم من القضية الفلسطينية كل بطريقته الخاصة.

أولا:القضية الفلسطينية والسلم العالمي: *ما زال العقلاء وأهل البصر والبصيرة يحذرون -منذ زمن بعيد- من مغبة عدم إيجاد حل سياسي عادل وشرعي للقضية الفلسطينية العادلة ومن هؤلاء العلامة الإبراهيمي رحمه الله، حيث قال بتاريخ 21 جوان 1948: ” أيها الشعب العربي المسلم، في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها فلسطين العربية وفي هذا الصراع العنيف الذي حمل عليه إخوانك العرب حملا وألجئوا إليه إلجاء لا خيار فيه، وفي هذه الحرب المستعمرة التي يوشك أن تضيق بها الرقعة فيتطاير شررها إلى جوانب العالم فتحرقه أو تغرقه” وقال الشيخ أحمد توفيق المدني رحمه الله في جويلية 1937 :”لكن نقطة الإحساس في العالم العربي اليوم إنما هي نقطة فلسطين. والخطر الداهم الذي يهدد العرب في كيانهم، وفي حياتهم، إنما هو خطر فلسطين”.

ثانيا: حيرة العالم في حل القضية. *مما لا شك فيه أن العالم بأسره في حيرة من أمره بشأن حل القضية الفلسطينية وقد أشار إلى هذه الحيرة الشيخ الإبراهيمي رحمه الله في سنة 1948 حيث قال :” وفي هذه الأزمة التي عقدها الطمع فعجز عن حلها العالم الذي لم يعرف القناعة، وأنشأها الباطل فلم يستطع التغلب عليها الرؤساء الذين لم يعرفوا الحق، وفي هذه المعركة التي قسمت كلا من العالمين الملحد والمتدين إلى معسكرين: بعض أسلحتهما الحديد والنار، وبعضها الرأي والمكيدة، وبعض أسبابهم إليها الحق الذي لا شبهة فيه، وأكثرها الباطل الذي لا مرية فيه، في هذه الظلمات المتراكمة نتوجه إليك مخلصين بنصيحة تضمن استمرار السير، وحفظ الاتجاه، وسلامة العاقبة”.

ثالثا: القضية الفلسطينية ليست محلية بل إسلامية. *من أقبح وأشنع الكلمات التي يردّدها حكام الاعتلال والذل والإذلال عندما يُتّهمون بخذلان القضية الفلسطينية العادلة “لن نكون ملكيين أكثر من الملك” وهي خدعة مكشوفة أمام الشعوب الإسلامية لأن قضية فلسطين ليست محلية أو ملكا لسلطة محلية يحق لها أن تتصرف فيها كما يحلو لها وهذا ما قرره قادة الفكر والعلم والسياسة عندنا، لقد قام العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله باتصالات مع مفتي القدس الشيخ الأمين الحسيني رحمه الله منذ 1933: “كان للشيخ ابن باديس مراسلات دائمة مع مفتي القدس الأكبر الشيخ الأمين الحسيني.. ومن هؤلاء استطاع الشيخ ابن باديس الوقوف على آخر تطورات الأحداث في الساحة العربية منذ أول اجتماع للمجلس في القدس. وإننا نجد الدليل على هذا الإتصال أنه عندما وقعت حوادث قسنطينة بين المسلمين واليهود في جمادى الأولى 1353 (أغسطس 1934م) قام رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي بالقدس بإرسال معونة إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس مقدارها خمسون جنيها وخمس شلنات (ثلاثة آلاف وستمائة وخمسة وستين فرنكا) وتم توزيعها على عائلات المنكوبين”، ولقد بين الشيخ الإبراهيمي مكانة فلسطين عند كل مسلم في 1948 حيث قال والجزائر تحت الاستعمار “إن الجزائر وطنكم الصغير، وإن إفريقيا الشمالية وطنكم الكبير، وإن فلسطين قطعة من جزيرة العرب التي هي وطنكم الأكبر، وإن الرجل الصحيح الوطنية هو الذي لا تلهيه الأحداث عن القيام بواجبات وطنيه الأصغر والأكبر” بل إن الشيخ عبد الحميد بن باديس جعل الاعتداء على بيت المقدس كالاعتداء على مكة تماما، قال في أوت 1938 “رحاب القدس الشريف مثل رحاب مكة والمدينة، وقد قال الله في المسجد الأقصى في سورة الإسراء “الذي باركنا حوله” ليعرفنا بفضل تلك الرحاب، فكل ما وقع بها كأنه واقع برحاب المسجد الحرام ومسجد طيبة”، ونظرا لمكانة فلسطين في قلب المسلمين فقد وجب التضحية من أجل نصرتها لأنها ليست قضية محلية، قال الشيخ توفيق المدني رحمه الله في سنة 1937 “إن الواجب المحتم على كل عربي مسلم في أي قطر من أقطار الأرض، هو أن يقف إلى جانب أخيه العربي الفلسطيني، ينصره ويؤازره، ويضحي إلى جانبه أغلى وأعز التضحيات، مهما كلفه ذلك، فالمسألة ليست مسألة بلاد نائية، وليست مسألة محلية لا تهم إلا أهل فلسطين وحدهم، بل إنما هي مسألة العالم العربي بأسره، بل العالم الإسلامي برمته، وكل اقتطاع من أرض فلسطين إنما هو حز في رقبة العرب، ونحر للعالم الإسلامي من وريده”.

وقال الشيخ الإبراهيمي رحمه الله في 1948: “أيها العرب! إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست حقوق العرب فيها تنال بأنها حق في نفسها،وليست تنال بالهوينا والضعف،وليست تنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوة، إن الصهيونية وأنصارها مصممون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه. وكونوا حائطا لا صدع فيه * وصفا لا يرقع بالكسالى “

*ومن العلماء الذين استنكروا محلية القضية الفلسطينية العلامة السلفي الطيب العقبي رحمه الله، هذا العلامة الذي جمع بين التعليم والدعوة والخطابة والصحافة والنشاط السياسي الداخلي والخارجي، قال هذا الشيخ في 13 أوت 1937: “لبيك لبيك فلسطين، فما أنت لأهلك فقط ولكن للعرب كلهم للمسلمين أجمعين”، بين فيه حسرته وأفصح عن ألمه تجاه محنة الشعب الفلسطيني المتشرد من ويلات القمع الصهيوني بقوله “لهذا فإن كارثة فلسطين لم تكن بأمر يخص أهلها فحسب.. ولكنها كانت مأساة عامة وكارثة عظمى حلت بالعالم الإسلامي كله والعرب أجمعين ومن الناس اليوم من لا يلهج باسم فلسطين الشهيدة، فلسطين الدامية، فلسطين الثاكلة، فلسطين الباكية، الشاكية الحزينة، فلسطين ضحية الاستعمار الغاشم،…أراد الإنجليز العتاة البغاة تقديمها على مذبح مطامعهم ومصالحهم الخاصة لقمة سائغة للآكلين وغنيمة باردة لشذّاذ العالم ونفاية الأمم من الصهيونيين”.

وبذلك كانت مسؤولية نصرة فلسطين مسؤولية عظيمة، قال ابن باديس رحمه الله في 1938 : “وكل مسلم مسؤول أعظم المسؤولية عند الله تعالى على كل ما يجري هنالك من أرواح تزهق وصغار تيتم ونساء ترمل وأموال تهتك، وديار تخرب وحرمات تنتهك كما لو كان ذلك كله واقعا بمكة أو المدينة إن لم يعمل لرفع ذلك الظلم الفظيع بما استطاع” وكان الشيخ الإبراهيمي لا يمل من التأكيد على أن قضية فلسطين قضية إسلامية بالدرجة الأولى حيث قال سنة 1954 ” قضية فلسطين في جوهرها وحقيقتها واعتبارها التاريخي قضية إسلامية من حيث أنّ فيها المسجد الأقصى ثالث المساجد المقدسة في حكم الإسلام، وهو أول قبلة صلى إليها المسلمون قبل الكعبة ، ولئن نسخ هذا المعنى فإن الخصائص الأخرى من الاحترام الديني وشد الرحال إليه لم تنسخ، وإن المتوسمين في آيات الله المستخرجين لدقائق الحكم منها يتحملون من الأسرار في اختيارها قبلة أولى وفي كونها كانت نهاية للإسراء وبداية للعروج ما يضعها في موضع من الاحترام يوجب الدفاع عن مشاعرها، ودفع كل معتد على حرماتها أن تدنس بوثنية، وتطهيرها من كل من يريد بها شرا أو يريد فيها بإلحاد وإنها ميراث النبوة وضعه الله في أيد قادرة على حمايتها، وقد دافعت عنها بالفعل، وأقامت البرهان على اضطلاعها بحمايتها مدة أربعة عشر قرنا كاملة، وحاربت عليه أمم الأرض ،وما سلبها الله من اليهود وأورثها المسلمين إلا لأن اليهود كانوا أعجز الناس عن حمايتها زمن، حيث أن فيها الصخرة التي هي أول محطة لاتصال الأرض بالسماء، ذلك الاتصال الذي كان سببا فيما فاض على الأرض من بركات السماء،ولو شاء الله لكان المعراج بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من مكة التي هي موطنه ولكن كانت له في هذه الرحلة الأرضية حكم ولنا فيها عبر،فقد كانت رمزا إلى أنّ ملك الإسلام سيتسع حتى يبلغ في مرحلته الأولى ممالك النبوة قبله ومواطنهم ومواطئ أقدامهم ومدافنهم،وسينشر فيها هدايته وسيبسط عليها حمايته وكذلك وقع، ومواريث النبوة لا يستحقها إلا الأنبياء والمضطلعون بها من أممهم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم :”زويت لي من الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها”، ومما لا شك فيه أن فلسطين جزء هام من ديار الإسلام ولذلك وجب الدفاع عنها وعن المستضعفين فيها والسعي حثيثا لفك أسرها ومساجينها ورد المهجّرين والمهاجرين قسرا إلى أرضها، ولو دفعنا جميع أموالنا”، قال الشيخ محمد سعيد البوطي: “وجوب نصرة المسلمين بعضهم لبعض، مهما اختلفت ديارهم وبلادهم ما دام ذلك ممكن ،فقد اتفق العلماء والأئمة على أن المسلمين إذا قدروا على استنقاذ المستضعفين أو المأسورين أو المظلومين من إخوانهم المسلمين، في أي جهة من جهات الأرض، ثم لم يفعلوا ذلك، فقد باؤوا بإثم كبير”. يقول أبو بكر بن العربي رحمه الله:” إذا كان في المسلمين أسراء أو مستضعفون فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن، بأن لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج لاستنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، حتى لا يبقى لأحد درهم بعد ذلك”، وكما تجب موالاة المسلمين بعضهم بعضا، فإنه يجب أن تكون هذه الموالاة فيما بينهم، ولا يجوز أن يشيع شيء من الولاية أو التناصر أو التآخي بين المسلمين وغيرهم، وهذا ما يصرح به كلام الله عز وجل، إذ يقول:” والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” [الأنفال 8/73]. يقول ابن العربي رحمه الله:”قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين، فجعل المؤمنون أولياء بعضهم بعض، يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم، ولا ريب أن تطبيق مثل هذه التعاليم الإلهية، هو أساس نصرة المسلمين في كل عصر وزمن، كما أن إهمالهم لها وانصرافهم إلى ما يخالفها هو أساس ما نراه اليوم من ضعفهم وتفككهم وتألب أعدائهم عليهم من كل جهة وصوب”، وإني لأعجب أشد العجب من النظام السعودي الذي يزعم رفع راية الإسلام والتوحيد كيف يسارع إلى إنقاذ النظام الاقتصادي الأمريكي الربوي المنهار، ولا يسارع إلى نجدة الإخوة في فلسطين، وخاصة غزة الصامدة؟!!! ولو أن الأموال التي تصرف على المهرجانات الصيفية في البلدان العربية والإسلامية صرفت على القضية الفلسطينية وتسليح المجاهدين لتم تحرير فلسطين “وما ذلك على الله بعزيز”، أما أن يقول ملك السعودية في رسالة لعباس الذي يدعمه سياسيا وماليا وإعلاميا، بل يقف إلى جانبه ضد سائر فصائل المقاومة والجهاد، أن الانقسام أشد خطرا من إسرائيل فهي كلمة قبيحة رعناء للتملص من المسؤولية، وماذا فعل النظام السعودي للقضية الفلسطينية قبل الإنقسام، وماذا فعل النظام السعودي لفك الحصار على عرفات وهو تحت الحصار يذوب كالشمعة أمام سمع وبصر العالم وحكام العرب، أخزاهم الله تعالى إلا أن يتوبوا ويرفعوا راية الجهاد والمقاومة لتحرير فلسطين؟!!! ولماذا أعلن النظام السعودي وجوب الجهاد في الأفغان ولم يحرض على الجهاد في فلسطين رغم أنها استعمرت في 1948؟!!! ولماذا لا ينادي الآن بالجهاد في الأفغان المحتلة من أمريكا، ولماذا لا يطالب بخروج حلف الناتو الذي تشارك فيه إسرائيل من باكستان؟!!.

إن الإسلام لا يعترف بالحدود والسدود التي ما أنزل الله بها من سلطان ويجب أن لا تَحول الحدود دون نصرة المسلمين أينما كانوا وهذا ما نص عليه العلماء قديما وحديثا، قال الشيخ القرضاوي شفاه الله: “لقد كان وطن المسلم من قبل يعني “دار الإسلام” على اتساعها، فكل أرض تجري فيها أحكام الإسلام، وتقام شعائره، ويعلو سلطانه، هي وطن المسلم، ويغار عليه، ويدافع عنه، كما يدافع عن مسقط رأسه، وكان العالم ينقسم عند المسلم على هذا الأساس العقائدي: فهو إما دار إسلام وإما دار كفر، فالتفكير الإسلامي، والحس الإسلامي، لا يعرفان الإقليمية ولا العنصرية بحال من الأحوال، وفي الفقه الإسلامي، نجد هذه الصورة المعبرة عن وحدة الأمة المسلمة ووحدة الوطن الإسلامي، وذلك فيما ينقله العلامة ابن عابدين عن أئمة الفقه الحنفي حيث يقررون أن الجهاد فرض عين إن هجم العدو على بلد مسلم، وذلك على من يقرب من العدو أولا، فإن عجزوا أو تكاسلوا، فعلى من يليهم، حتى يفترض –على هذا التدريج- على كل المسلمين شرقا وغربا، وهذا متفق عليه بين الأئمة جميعا.

والعجب أن يقرر فقهاء الإسلام وجوب الدفاع عن البلد المسلم المعتدى عليه، وإن تكاسل أهله أنفسهم في الدفاع عنه، لأن هذا البلد ليس ملك أهله وحدهم، ولكنه –باعتباره جزءا من دار الإسلام- ملك المسلمين جميعا، وسقوطه في يد الكفار خسارة وهزيمة للمسلمين قاطبة، وصورة أخرى يذكرها ابن عابدين فيقول: “مسلمة سبيت بالمشرق، وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر”، وقال الإمام مالك:” يجب على المسلمين فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وهكذا قرر القرآن وقررت السنة أن المسلمين أمة واحدة “يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم” ومن لم يصبح ناصحا –أي مخلصا بارا- لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم”، ولكن النزعة الوطنية والقومية جعلت المسلم يفكر في وطنه قبل عقيدته، ويقدم الكافر إذا كان من عنصره أو وطنه على المسلم من عنصر آخر أو في بلد أخر، ويسمى هذا أجنبيا، ويعامله معاملة الأجانب، وبرزت نزعات جاهلية تتنادى بالقومية العنصرية، والوطنية الإقليمية، لا بالأخوة الإسلامية، بل أصبحت الأوطان والقوميات وكأنها أوثان جديدة يعبدها الناس مع الله! والعجب أن يتخذ أحد العنصرين بعض الكفار أولياء وحلفاء له ضد إخوانه المسلمين، مع قول الله المحكم: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *